فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [78].
ولو نصبت الثانية كان صوابا، يتوهم أنه كان {فراق ما بينى وبينك}.
وقوله: {وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ} [79] يقول: أمامهم ملك. وهو كقوله: {مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ} أي أنها بين يديه. ولا يجوز أن تقول لرجل وراءك: هو بين يديك، ولا لرجل هو بين يديك: هو وراءك، إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيّام والليالى والدهر أن تقول: وراءك برد شديد: وبين يديك برد شديد لأنك أنت وراءه فجاز لأنه شيء يأتى، فكأنه إذا لحقك صار من ورائك، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك. فلذلك جاز الوجهان.
وقوله: {فَخَشِينا} [80]: فعلمنا. وهى في قراءة أبىّ {فخاف ربّك أن يرهقهما} على معنى: علم ربّك. وهو مثل قوله: {إِلَّا أَنْ يَخافا} قال: إلا أن يعلما ويظنّا. والخوف والظنّ يذهب بهما مذهب العلم.
وقوله: {خَيْرًا مِنْهُ زَكاةً} [81] صلاحا {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} يقول: أقرب أن يرحما به. وهو مصدر رحمت.
وقوله: {كَنْزٌ لَهُما} [82] يقال: علم.
وقوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} نصب: فعل ذلك رحمة منه. وكلّ فعل رأيته مفسّرا للخبر الذي قبله فهو منصوب. وتعرفه بأن ترى هو وهى تصلحان قبل المصدر، فإذا ألقيتا اتّصل المصدر بالكلام الذي قبله فنصب، كقوله: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} وكقوله: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} معناه: إنك من المرسلين وهو تنزيل العزيز {وهذا تنزيل العزيز الرحيم} وكذلك قوله: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنا} معناه: الفرق فيها أمر من عندنا.
فإذا ألقيت ما يرفع المصدر اتّصل بما قبله فنصب.
وقوله: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [85] قرئت {فأتبع} و{اتّبع} وأتبع أحسن من اتّبع، لأن اتّبعت الرجل إذا كان يسير وأنت تسير وراءه. وإذا قلت أتبعته بقطع الألف فكأنك قفوته.
وقوله: {حَمِئَةٍ} [86] حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى حبّان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس {حمئة} قال: تغرب في عين سوداء. وكذلك قرأها ابن عباس حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ: {حمئة} حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى محمد بن عبد العزيز عن مغيرة عن مجاهد أن ابن الزبير قرأ: {حامية} وذكر بعض المشيخة عن خصيف عن أبى عبيدة أن ابن مسعود قرأ: {حامية}.
وقوله: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} موضع أن كلتيهما نصب. ولو رفعت كان صوابا أي فإنما هو هذا أو هذا. وأنشدنى بعض العرب:
فسيرا فإمّا حاجة تقضيانها ** وإما مقيل صالح وصديق

ولو كان قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً} رفعا كان صوابا والعرب تستأنف بإمّا وإمّا.
أنشدنى بعض بنى عكل:
ومن لا يزل يستودع الناس ماله ** تربه على بعض الخطوب الودائع

ترى الناس إمّا جاعلوه وقاية لمالهم أو تاركوه فضائع وقاية ووقاءهم. والنصب على افعل بنا هذا أو هذا، والرفع على هو هذا أو هذا.
وقوله: {فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى} [88] أي فله جزاء الحسنى نصبت الجزاء على التفسير وهذا مما فسّرت لك. وقوله: {جَزاءً الْحُسْنى} مضاف. وقد تكون الحسنى حسناته فهو جزاؤها. وتكون الحسنى الجنة، تضيف الجزاء إليها، وهى هو، كما قال: {حَقُّ الْيَقِينِ} و{دِينُ الْقَيِّمَةِ} {وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} ولو جعلت {الْحُسْنى} رفعا وقد رفعت الجزاء ونوّنت فيه كان وجها. ولم يقرأ به أحد. فتكون كقراءة مسروق {إنّا زيّنا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب} فخفض الكواكب ترجمة عن الزينة.
وقوله: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْرًا} [90] يقول: لا جبل ولا ستر ولا شجر هم عراة.
وقوله: {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} [94] همزهما عاصم ولم يهمزهما غيره وقوله: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} الخراج الاسم الأوّل. والخرج كالمصدر كأنه الجعل.
وقوله: {ما مَكَّنِّي} [95] أدغمت نونه في النون التي بعدها. وقد ذكر عن مجاهد ذكره أبو طلحة الناقط ما يحضرنى عن غيره. قال: {ما مكّننى} بنونين ظاهرتين وهو الأصل.
وقوله: {حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [96].
و{الصَّدَفَيْنِ} {الصّدفين} ساوى وسوّى بينهما واحد.
قوله: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ}: قرأ حمزة والأعمش {قال أتوني} مقصورة فنصبا القطر بها وجعلاها من جيئونى و{آتوني} أعطونى. إذا طوّلت الألف كان جيّدا {آتِنا غَداءَنا}: آتوني قطرا أفرغ عليه. وإذا لم تطوّل الألف أدخلت الياء في المنصوب فقلت ائتنا بغدائنا. وقول حمزة والأعمش صواب جائز من وجهين. يكون مثل قولك: أخذت الخطام وأخذت بالخطام. ويكون على ترك الهمزة الأولى في {آتُونِي} فإذا أسقطت الأولى همزت الثانية.
وقوله: {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [98] حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى قيس بن الربيع عن سعيد بن مسروق عن الشّعبىّ عن الربيع بن خيثم الثورىّ أن رجلا قرأ عليه {دكا} فقال: {دكّاء} فخّمها. قال الفراء: يعنى: أطلها.
وقوله: {وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ} [100]: أبرزناها حتى نظر إليها الكفار وأعرضت هى: استبانت وظهرت.
وقوله: {لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [101] كقولك: لا يستطيعون سمع الهدى فيهتدوا.
وقوله: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [102] قراءة أصحاب عبد اللّه ومجاهد {أفحسب} حدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدثنى محمد بن المفضّل الخراسانى عن الصلت بن بهرام عن رجل قد سمّاه عن علىّ أنه قرأ: {أفحسب الذين كفروا} فإذا قلت {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا}. فأن رفع وإذا قلت {أَفَحَسِبَ} كانت أن تصبا.
قوله: {عَنْها حِوَلًا} [108]: تحوّلا. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الكهف:
{الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا [1] قيمًا} [2] أي: أنزل الكتاب قيمًا على الكتب كلها. وقيل: مستقيمًا، إليه يرجع، ومنه يؤخذ. {ولم يجعل له عوجا} أي: عدولًا عن الحق والاستقامة. {كبرت كلمة} [5] أي: كبرت الكلمة كلمة، نصب على القطع. {باخع نفسك} [6] قاتلها.
{صعيدًا} [8] أرضًا مستوية. {جرزًا} يابسة لا نبات فيها. أو كأنه حصد نباتها، من الجزر وهو القطع. {والرقيم} [9] اسم الجبل الذي كان فيه الكهف. وقيل: إنه واد عند الكهف، ورقمة الوادي: موضع الماء. {فضربنا على ءاذانهم} [11] كقولك: ضربت على يده: إذا منعته التصرف. قال الأسود بن يعفر:
713- ومن العجائب لا أبا لك أنني ** ضربت على الأرض بالأسداد

714- لا أهتدي فيها لموضع تلعة ** بين العذيب وبين أرض مراد

{أي الحزبين أحصى} [12] الفتية أم أهل زمانهم. {مرفقًا} [16] معاشًا في سعة.
وقيل: مخلصًا. ويجوز أن يكون اسمًا وآلة لما يرتفق به، والاسم كمرفق اليد، وكالدرهم، والمسحل للحمار الوحشي، والآلة: كالمقطع والمثقب. {تزاور} [17] تميل وتنحرف. {تقرضهم} تحاذيهم. وقيل: تقطعهم.
{فجوة} متسع، وإنما كان هذا لئلا يفسدهم ضيق المكان بعفنه، ولا يؤذيهم عين الشمس بحرها. الوصيد: فناء الباب. وقيل: عتبة الباب، أو الباب نفسه، ومنه أوصدت الباب: إذا أطبقته. {وكذلك أعثرنا عليهم} [21] أي كما أطلعناهم على أمرهم وحالهم في مدة نومهم، أطلعناهم على أمر القيامة، فنومهم الطويل شبيه بالموت، والبعث بعده شبيه بالبعث. وإنما دخل الواو في الثامن، لأنه ابتداء العطف بها، لأن الكلام كأنه تم بالسبعة، لأن السبعة عدد كامل-كما سبق ذكره-، وبعض الناس يقول: إن هذه واو الثمانية لا يذكر إلا بها. {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا} [25] لتفاوت ما بين السنين المذكورة على التقريب من مدة قطع الشمس البروج الإثنى عشر في كل ثلاث مائة وخمسة وستين يومًا، ومن قطع القمر إياها في كل ثلاث مائة وأربعة وخمسين يومًا وكسرًا.
وتنوين {ثلاث مائة} على أن يكون سنين بدلًا، أو عطف بيان، أو تمييزًا، لأن {ثلاث مائة} تتناول الشهور والأيام. ومن لم ينون للإضافة، اعتمد على الثلاث دون المائة، لأنه لا يقال: مائة سنين، بل مائة سنة، وإنما يقال: ثلاث سنين بالجمع فيما دون العشر. {ملتحدًا} [27] معدلًا، عن الأخفش، ومهربًا عن قطرب.
{ولا تطع من أغفلنا قلبه} [28] وجدناه غافلًا، قال:
715- فأصممت عمرًا وأعميته ** عن الجود والمجد يوم الفخار

وقال:
716- لقد أخبرت لقحة آل عمرو ** وأخبر دونها الفرس الخبير

أي وجدتها خبرًا، والخبر: الغزيرة. وفسر خالد بن كلثوم:
717- فما أفجرت حتى أهب بسدفة ** غلاجيم عين ابني صباح نثيرها

على رؤية الفجر ومصادفته. وقال أبو الفتح بن جني في الخصائص: لو كان أغفلنا بمعنى صددنا، ولم يكن بمعنى صادفنا، لكان العطف بالفاء دون الواو، أي: كان {فاتبع هواه} حتى يكون الأول على للثاني، والثاني مطاوعًا، كقولك: سألته فبذل، وجذبته فانجذب. {فرطًا} [28] ضياعًا، والتفريط في حق الله: تضييعه. وقيل: قدمًا في الشر، فرس فرط: يقدم الخيل. وقيل: سرفًا وإفراطًا.
{أحاط بهم سرادقها} [29] روى يعلى بن أمية، عن النبي عليه السلام: «أن سرادقها هي البحر المحيط بالدنيا». وقال قتادة: سرادقها دخانها ولهبها. المهل: دردي الزيت، عن ابن عباس، والصديد، عن مجاهد. وكل جوهر معدني إذا أذيب أزبد وانماع، عن ابن مسعود.
الأساور: جمع إسوار، وأسورة. والأرائك: الأسرة. وقيل: الأكلة. {كلتا الجنتين ئاتت أكلها} [33] {كلتا} وإن كانت في المعنى جمعًا، فلفظها واحد، فلذلك لم يقل آتتا، قال الأعشى:
718- وما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمركم ** وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

719- كلا أبويكم كان فرعًا دعامة ** ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا

{ولم تظلم} [33] لم تنقص. {وكان له ثمر} [34] أموال مثمرة نامية. {حسبانًا} [40] نارًا، وقيل: بردًا. وقيل: عذابًا بحساب، لأن عذاب الله يكون بحساب الذنب، وقيل: إن أصل الحساب، سهام ترمى في مرمى واحد.
{صعيدًا زلقًا} أرضًا ملساء، لا ينبت فيها نبات ولا يثبت عليها قدم. {أو يصبح ماؤها غورًا} [41] أي: ويصبح غائرًا، أقيم المصدر مقام الوصف. قال الراجز:
720- شتان هذا والغناء والنوم والمشرب البارد والظل الدوم. {يقلب كفيه} [42] يضرب إحداهما على الأخرى تحسرًا. {لكنا} [38] أصله لكن أنا بإشباع ألف أنا، فألقيت حركة الهمزة من أنا على النون الساكنة في لكن، كما قالوا في الأحمر: الحمر، فصار لكننا بنونين، فأدمغت إحداهما في الأخرى، فصار {لكنا}، كقوله: {مالك لا تأمنا}.
وفي أنا بعد لكن ضمير الشأن والحديث، أي: لكن أنا، الشأن والحديث {الله ربي}. قال:
721- وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ** وتقلينني لكن إياك لا أقلي

{هنالك الولاية} [44] بالفتح، مصدر الولي: أي: يتولون الله يومئذ ويتبرؤون مما سواه. وبالكسر: مصدر الوالي، أي: الله يلي جزاءهم يومئذ. وقيل: عما سواء، كالجداية والجداية في الأسماء، والوصاية في المصادر.
{لله الحق} [44] كسر الحق على الصفة لله، أي: الله على الحقيقة، ورفعه على النعت للولاية. {وخير عقبا} أي: الله خير لهم في العاقبة. {كماء أنزلناه} [45] تمثيل الدنيا بالماء، من حيث إن أمورها في السيلان، ومن حيث إن قليلها كاف، وكثيرها إتلاف، ومن حيث اختلاف أحوال بنيها، كاختلاف ما ينبت بالماء من النبات. {فأصبح هشيمًا} [45] الهشيم: النبت إذا جف وتكسر، فذرته الرياح، ويشبه به فانية المتاع، وضعفة الناس، قال ابن ميادة:
722- أمرتك يا رياح بأمر حزم ** فقلت هشيمة من أهل نجد

723- نهيتك عن رجال من قريش ** على محبوكة الأصلاب جرد

{تذروه الرياح} [45] يقال: ذرته الريح، وذرته، وأذرته إذا نسفته فطارت به. {وخير أملًا} [46] لأنه لا يكذب، بخلاف سائر الآمال. {وترى الأرض بارزة} [47] لا يسترها جبل. وقيل: قد برز ما في بطنها من الأموات والكنوز.
{لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة} [48] أي: أحياء. {موبقًا} [52] محبسًا، وقيل: مهلكًا. {قبلًا} [55] مفاجأة. وقيل: أنواعًا من العذاب، كأنه جمع قبيل.